فى ذكراها الخمسين .. قصة استرداد حقول البترول المصرية بعد نصر أكتوبر 73

العدد الأول نوفمبر 2025

كثيرة‭ ‬

هى‭ ‬تحديات‭ ‬هذا‭ ‬الوطن‭.. ‬وأهم‭ ‬التحديات‭ ‬كانت‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬العظيم‭ ‬كل‭ ‬فى‭ ‬مكانه‭ ‬ومكانته‭ ‬يعمل‭ ‬بجهد‭ ‬وإخلاص‭.. ‬وكان‭ ‬قطاع‭ ‬البترول‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬عوامل‭ ‬النصر‭ ‬بجانب‭ ‬تضحيات‭ ‬جيشنا‭ ‬العظيم‭. ‬

 

ومع‭  ‬إشراقة‭ ‬السابع‭ ‬عشر‭ ‬من‭ ‬نوفمبر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬عام،‭ ‬تحل‭ ‬علينا‭ ‬ذكرى‭ ‬اليوم‭ ‬القومى‭ ‬للبترول‭ ‬المصرى،‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬الذى‭ ‬ارتبط‭ ‬بأحد‭ ‬أهم‭ ‬ثمار‭ ‬نصر‭ ‬أكتوبر‭ ‬المجيد‭  ‬استرداد‭ ‬حقول‭ ‬البترول‭ ‬المصرية‭ ‬فى‭ ‬سيناء‭ ‬وخليج‭ ‬السويس‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلى‭.‬

ففى‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬عام‭ ‬1975،‭ ‬شهدت‭ ‬مدينة‭ ‬رأس‭ ‬سدر‭ ‬بسيناء‭ ‬اول‭ ‬خطوة‭ ‬فى‭ ‬استرداد‭ ‬حقول‭ ‬البترول‭ ‬المصرية‭ ‬فى‭ ‬سيناء‭ ‬وخليج‭ ‬السويس‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬يقرب‭ ‬من‭ ‬3000‭ ‬يوم‭ ‬عقب‭ ‬عدوان‭ ‬1967‭ ‬،‭  ‬تسلم‭ ‬المهندس‭ ‬أحمد‭ ‬هلال‭ ‬وزير‭ ‬البترول‭ ‬آنذاك،‭ ‬اول‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الحقول‭ ‬المصرية‭ ‬متمثلة‭ ‬فى‭ ‬حقول‭ ‬سدر‭ ‬وعسل‭ ‬ومطارمة‭ ‬تنفيذا‭ ‬لاتفاق‭ ‬فض‭ ‬الاشتباك‭ ‬الثانى‭ ‬بعودة‭ ‬السيادة‭ ‬المصرية‭ ‬الكاملة‭ ‬على‭ ‬مدينة‭ ‬رأس‭ ‬سدر‭ ‬التى‭ ‬ارتفع‭ ‬العلم‭ ‬المصرى‭ ‬عليها‭ .‬

وقف‭ ‬المهندس‭ ‬أحمد‭ ‬هلال‭ ‬فوق‭ ‬أحد‭ ‬آبار‭ ‬حقل‭ ‬سدر‭ ‬وسط‭ ‬مجموعة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬المهندسين‭ ‬والفنيين‭ ‬المصريين‭ ‬الذين‭ ‬تولوا‭ ‬مهمة‭ ‬استلام‭ ‬الحقول‭ ‬وبلغ‭ ‬عددهم‭ ‬32‭ ‬عاملاً‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬كانوا‭ ‬يعملون‭ ‬فيها‭ ‬حتى‭ ‬عدوان‭ ‬يونيه‭ ‬1967،‭ ‬وأدار‭ ‬هلال‭ ‬محبس‭ ‬البئر‭ ‬ليتدفق‭ ‬الذهب‭ ‬االأسود،‭ ‬مصحوباً‭ ‬بتهليل‭ ‬وفرحة‭ ‬العاملين‭ ‬الذين‭ ‬عاشوا‭ ‬لحظة‭ ‬تاريخية‭ ‬لاسترداد‭ ‬بترول‭ ‬مصر‭ ‬بعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ثمانية‭ ‬أعوام‭ ‬من‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬لحقول‭ ‬سيناء‭ ‬وخليج‭ ‬السويس‭.‬

‭ ‬وفى‭ ‬ذات‭ ‬اليوم‭ ‬،‭ ‬انطلقت‭ ‬من‭ ‬ميناء‭ ‬رأس‭ ‬سدر‭ ‬الناقلة‭ ‬“سلام”‭ ‬محملة‭ ‬بأول‭ ‬شحنة‭ ‬من‭ ‬بترول‭ ‬هذه‭ ‬الحقول‭ ‬بعد‭ ‬عودتها‭ ‬الى‭ ‬السيادة‭ ‬المصرية‭ ‬إلى‭ ‬مصافى‭ ‬التكرير‭ ‬بالسويس،‭ ‬لتتحول‭ ‬إلى‭ ‬منتجات‭ ‬بترولية‭ (‬البنزين‭ ‬والمازوت‭ ‬والكيروسين‭) ‬للاستهلاك‭ ‬المحلى،‭ ‬كما‭ ‬وقّع‭ ‬سمير‭ ‬تادرس‭ ‬نائب‭ ‬رئيس‭ ‬الشركة‭ ‬العامة‭ ‬للبترول‭ ‬فى‭ ‬ذات‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬أوراق‭ ‬تسلم‭ ‬إدارة‭ ‬الحقول‭ ‬للشركة‭ ‬العامة،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬تدير‭ ‬الحقول‭ ‬شركة‭ ‬موبيل‭ ‬أويل‭ ‬الأمريكية‭ ‬قبل‭ ‬الاحتلال‭ .‬

ورغم‭ ‬أن‭ ‬المحتلين‭ ‬استنزفوا‭ ‬امكانيات‭ ‬هذه‭ ‬الحقول‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬سنوات‭ ‬وأقدموا‭ ‬قبل‭ ‬انسحابهم‭ ‬على‭ ‬تدمير‭ ‬المنشآت‭ ‬النفطية‭ ‬وإتلاف‭ ‬الآبار‭ ‬والمعدات‭ ‬والوثائق‭ ‬الفنية،‭ ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬لم‭ ‬يوقف‭ ‬عزيمة‭ ‬أبناء‭ ‬الشركة‭ ‬العامة‭ ‬للبترول‭ ‬الذين‭ ‬خاضوا‭ ‬عبور‭ ‬جديد‭ ‬لإعادة‭ ‬احياء‭ ‬حقول‭ ‬سدر‭ ‬وعسل‭ ‬ومطارمة،‭ ‬وكانت‭ ‬لا‭ ‬تنتج‭ ‬آنذاك‭ ‬سوى‭ ‬4‭ ‬آلاف‭ ‬برميل‭ ‬يوميا‭ ‬فقط‭  ‬،‭ ‬وقامت‭ ‬الشركة‭ ‬بعمل‭ ‬مسح‭ ‬سيزمى‭ ‬ثنائى‭ ‬الأبعاد‭ ‬ثم‭ ‬مسح‭ ‬ثلاثى‭ ‬الأبعاد‭ ‬ودراسات‭ ‬جيولوجية‭ ‬و‭ ‬دراسة‭ ‬الخزان‭ ‬و‭ ‬قامت‭ ‬بعمل‭ ‬اصلاح‭ ‬للابار‭ ‬واعادة‭ ‬الانتاج‭ ‬منها‭ .‬

واليوم،‭ ‬وبعد‭ ‬مرور‭ ‬خمسين‭ ‬عاما‭ ‬على‭ ‬تسلم‭ ‬هذه‭ ‬الحقول،‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬إنتاجها‭ ‬مستمرا،‭ ‬بل‭ ‬جرى‭ ‬تعظيمه‭ ‬بجهود‭ ‬مخلصة‭ ‬بذلها‭ ‬رجال‭ ‬الشركة‭ ‬العامة‭ ‬للبترول،‭ ‬مستندين‭ ‬إلى‭ ‬العلم‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬الحديثة،‭ ‬بالتعاون‭ ‬مع‭ ‬شركة‭ ‬كندية‭ ‬متخصصة،‭ ‬وقد‭ ‬أثمرت‭ ‬هذه‭ ‬الجهود‭ ‬عن‭ ‬حفر‭ ‬نحو‭ ‬300‭ ‬بئر‭ ‬ضمن‭ ‬امتياز‭ ‬سيناء،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬240‭ ‬بئرا‭ ‬فى‭ ‬حقل‭ ‬سدر،‭ ‬و40‭ ‬بئرا‭ ‬فى‭ ‬حقل‭ ‬عسل،‭ ‬و10‭ ‬آبار‭ ‬فى‭ ‬حقل‭ ‬مطارمة،‭ ‬ليصل‭ ‬الإنتاج‭ ‬اليومى‭ ‬فى‭ ‬عام‭ ‬2024‭ ‬إلى‭ ‬نحو‭ ‬21‭ ‬ألف‭ ‬برميل‭ ‬يوميا،‭ ‬بإجمالى‭ ‬إنتاج‭ ‬تراكمى‭ ‬تجاوز‭ ‬140‭ ‬مليون‭ ‬برميل‭ ‬خلال‭ ‬نصف‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬العطاء‭.‬

كانت‭ ‬تلك‭ ‬الخطوة‭ ‬الأولى‭ ‬فى‭ ‬مسيرة‭ ‬استرداد‭ ‬مصر‭ ‬لحقولها‭ ‬البترولية‭ ‬التسع‭ ‬فى‭ ‬سيناء‭ ‬وخليج‭ ‬السويس‭ ‬،‭ ‬تمهيدا‭ ‬لعودة‭ ‬الحقول‭ ‬المصرية‭ ‬الكبرى‭ ‬ذات‭ ‬الانتاج‭ ‬الضخم‭ ‬وهى‭ ‬أبو‭ ‬رديس‭ ‬وبلاعيم‭ ‬برى‭ ‬وبحرى‭ ‬وسدرى‭ ‬وفيران‭ .‬

ابورديس‭ .. ‬الفرحة‭ ‬الكبرى‭ ‬ودرّة‭ ‬العقد‭ ‬البترولي

وعقب‭ ‬ايام‭ ‬جاءت‭ ‬الخطوة‭ ‬المنتظرة‭ ‬،‭ ‬استرداد‭ ‬حقول‭ ‬ابورديس‭ ‬التى‭ ‬تمثل‭ ‬مجموعة‭ ‬الحقول‭ ‬الكبرى‭ ‬،‭ ‬إذ‭ ‬اكملت‭ ‬اسرائيل‭ ‬انسحابها‭ ‬من‭ ‬مجموعة‭ ‬الحقول‭ ‬المصرية‭ ‬الأخرى‭ ‬فى‭ ‬المنطقة‭ ‬الوسطى‭ ‬من‭ ‬الساحل‭ ‬الشرقى‭ ‬لخليج‭ ‬السويس‭  ‬فى‭ ‬مدينة‭ ‬ابورديس‭ ‬جنوب‭ ‬سيناء‭ ‬والتى‭ ‬بدأت‭ ‬فى‭ ‬شهر‭ ‬اكتوبر‭ ‬واستغرقت‭ ‬8‭ ‬اسابيع‭  .‬

‭ ‬وفى‭ ‬اليوم‭ ‬الاول‭ ‬من‭ ‬ديسمبر‭ ‬كانت‭ ‬طائرة‭ ‬خاصة‭ ‬تقل‭ ‬اللواءين‭ ‬محمد‭ ‬القرمانى‭ ‬محافظ‭ ‬سيناء‭ ‬وطه‭ ‬المجدوب‭ ‬رئيس‭ ‬هيئة‭ ‬الإتصال‭ ‬والسيد‭ ‬محمد‭ ‬على‭ ‬بشير‭ ‬رئيس‭ ‬الشركة‭ ‬الشرقية‭ ‬للبترول‭ ( ‬بترول‭ ‬بلاعيم‭ ‬حالياً‭ )  ‬وتهبط‭ ‬فى‭ ‬مطار‭ ‬مدينة‭ ‬ابورديس‭  ‬،‭ ‬حيث‭ ‬اشرفوا‭ ‬على‭  ‬مهمة‭ ‬استلام‭ ‬الحقول‭ ‬التى‭ ‬عادت‭ ‬الى‭ ‬الإدارة‭ ‬المصرية‭ ‬واحضان‭ ‬الوطن‭ ‬،‭ ‬وبدأ‭ ‬الفنيون‭ ‬المصريون‭  ‬تشغيل‭ ‬الحقول‭ ‬التى‭  ‬كانت‭ ‬تتبع‭ ‬الشركة‭ ‬الشرقية‭ ‬للبترول‭ ‬حينها‭  ‬قبل‭ ‬الاحتلال‭.‬

وتم‭ ‬رفع‭ ‬العلم‭ ‬المصرى‭ ‬على‭ ‬المعسكر‭ ‬الخاص‭ ‬بالعاملين‭ ‬بالحقول‭ ‬فى‭ ‬يوم‭ ‬3‭ ‬ديسمبر،‭ ‬والتى‭ ‬تشترك‭ ‬شركة‭ ‬إينى‭ ‬الإيطالية‭ ‬فى‭ ‬إدارتها‭ ‬مع‭ ‬الجانب‭ ‬المصري‭. ‬وقدرت‭ ‬الشركة‭ ‬الإيطالية‭ ‬الإنتاج‭ ‬من‭ ‬الحقول‭ ‬بنحو‭ ‬70‭ ‬ألف‭ ‬برميل‭ ‬يوميا‭ ‬مما‭ ‬جعلها‭ ‬مكسباً‭ ‬كبيراً‭ ‬حيث‭ ‬تعد‭ ‬بالغة‭ ‬الضخامة‭ ‬مقارنة‭ ‬بحقول‭ ‬سدر‭ .‬

وفى‭ ‬اليوم‭ ‬ذاته‭ ‬تم‭ ‬شحن‭ ‬مخزون‭ ‬الانتاج‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الحقول‭ ‬والبالغ‭ ‬نحو‭ ‬500‭ ‬ألف‭ ‬برميل‭ ‬تم‭ ‬إيداعها‭ ‬بمستودعات‭ ‬التخزين‭ ‬بالمنطقة‭ ‬بعد‭ ‬إنتاجها‭ ‬لحساب‭ ‬مصر‭ ‬خلال‭ ‬الايام‭ ‬السابقة‭ ‬على‭ ‬الاستلام‭ ‬النهائي،‭ ‬وشهد‭ ‬المهندس‭ ‬أحمد‭ ‬هلال‭ ‬وزير‭ ‬البترول‭ ‬شحنها‭ ‬من‭ ‬ميناء‭ ‬فيران‭ ‬الذى‭ ‬تم‭ ‬استرداده‭ ‬أيضا‭ ‬بواسطة‭ ‬الناقلة‭ ‬سلام‭ ‬إلى‭ ‬معامل‭ ‬التكرير‭ ‬بالسويس،‭ ‬و‭ ‬تم‭ ‬توقيع‭ ‬وثيقة‭ ‬تسليم‭ ‬الحقول‭ ‬فى‭ ‬احتفال‭ ‬كبير‭  .‬

وقبيل‭ ‬تسليم‭ ‬الحقول‭ ‬كانت‭ ‬وزارة‭ ‬البترول‭ ‬قد‭ ‬انتهت‭ ‬من‭ ‬تدريب‭ ‬وتأهيل‭ ‬100‭ ‬كادر‭ ‬فنى‭ ‬للدفع‭ ‬بهم‭ ‬الى‭ ‬العمل‭ ‬مع‭ ‬الجانب‭ ‬الايطالى‭ ‬بعد‭ ‬اكتمال‭ ‬مهمة‭ ‬التسليم‭ .‬

ويصف‭ ‬الكاتب‭ ‬الصحفى‭ ‬صلاح‭ ‬منتصر‭ ‬فى‭ ‬مقاله‭ ‬بجريدة‭ ‬الأهرام‭ ‬بتاريخ‭ ‬6‭ ‬ديسمبر‭ ‬1975‭ ‬حقول‭ ‬أبورديس‭ ‬بأنها‭ ‬إحدى‭ ‬درر‭ ‬العقد‭ ‬البترولى‭ ‬الذى‭ ‬يلمع‭ ‬فوق‭ ‬عنق‭ ‬مصر‭ ‬بالخير،‭ ‬مشيرا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬فى‭ ‬أبورديس‭ ‬يوجد‭ ‬أول‭ ‬حقل‭ ‬بحرى‭ ‬تم‭ ‬حفره‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬وهو‭ ‬بلاعيم‭ ‬بحرى‭ ‬عام‭ ‬1961،‭ ‬الذى‭ ‬فتح‭ ‬الطريق‭ ‬للكشف‭ ‬عن‭ ‬البترول‭ ‬فى‭ ‬حقول‭ ‬أخرى‭ ‬تحت‭ ‬مياه‭ ‬خليج‭ ‬السويس‭ ‬مثل‭ ‬مرجان‭ ‬ويوليو‭ ‬ورمضان،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬حقول‭ ‬بلاعيم‭ ‬برى‭ ‬وسدرى‭ ‬وفيران‭ ‬ومنشآتها‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬تخزين‭ ‬وميناء‭ ‬فيران‭ ‬للشحن‭ ..‬

لم‭ ‬يكن‭ ‬هذا‭ ‬الإنجاز‭ ‬وليد‭ ‬الصدفة،‭ ‬بل‭ ‬ثمرة‭ ‬من‭ ‬ثمار‭ ‬نصر‭ ‬أكتوبر‭ ‬العظيم،‭ ‬الذى‭ ‬فتح‭ ‬الطريق‭ ‬لاستعادة‭ ‬كل‭ ‬الحقول‭ ‬التسعة‭ ‬فى‭ ‬سيناء‭ ‬وخليج‭ ‬السويس‭. ‬واليوم،‭ ‬ما‭ ‬زالت‭ ‬حقول‭ ‬أبورديس‭ ‬تنتج‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬ألف‭ ‬برميل‭ ‬يومياً،‭ ‬لتظل‭ ‬رمزاً‭ ‬للعزة‭ ‬الوطنية‭ ‬وواحدة‭ ‬من‭ ‬ركائز‭ ‬إنتاج‭ ‬البترول‭ ‬المصرى‭.‬

شِعٓب‭ ‬على‭ ...‬اكتمال‭ ‬ملحمة‭ ‬استرداد‭ ‬الحقول‭ ‬المصرية‭ ‬

‭ ‬فى‭ ‬الخامس‭ ‬والعشرون‭ ‬نوفمبر‭ ‬1979‭ ‬،‭ ‬اكتملت‭ ‬ملحمة‭ ‬استرداد‭ ‬الحقول‭ ‬المصرية‭ ‬،‭ ‬حين‭  ‬تسلمت‭ ‬شركة‭ ‬بترول‭ ‬خليج‭ ‬السويس‭ ( ‬جابكو‭ ) ‬الحقل‭ ‬البحرى‭ ‬شعب‭ ‬على‭ ‬والذى‭ ‬يقع‭ ‬فى‭ ‬الجزء‭ ‬الجنوبى‭ ‬الشرقى‭ ‬من‭ ‬خليج‭ ‬السويس،‭ ‬على‭ ‬بعد‭  67‭ ‬كيلومترًا‭ ‬من‭ ‬رأس‭ ‬شقير‭. ‬وقد‭ ‬بدأت‭ ‬أعمال‭ ‬التنقيب‭ ‬فيه‭ ‬قبل‭ ‬حرب‭ ‬يونيو‭ ‬1967‭ ‬بواسطة‭ ‬الشركة‭ ‬العامة‭ ‬للبترول،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬الحرب‭ ‬حالت‭ ‬دون‭ ‬استكمالها‭. ‬وبعد‭ ‬الاحتلال،‭ ‬تولّت‭ ‬شركة‭ ‬“نبتون”‭ ‬الأمريكية‭ ‬تشغيل‭ ‬الحقل‭ ‬لحساب‭ ‬شركة‭ ‬النفط‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬التى‭ ‬بدأت‭ ‬الإنتاج‭ ‬عام‭ ‬1978،‭ ‬وقامت‭ ‬بحفر‭ ‬15‭ ‬بئرًا‭ ‬بإنتاج‭ ‬عشوائى‭ ‬،‭ ‬وعقب‭ ‬اتفاقية‭ ‬السلام‭ ‬واستعادة‭ ‬مصر‭ ‬لحقولها‭ ‬فى‭ ‬سيناء،‭ ‬أوكلت‭ ‬الدولة‭ ‬مهمة‭ ‬استلام‭ ‬وتشغيل‭ ‬الحقل‭ ‬إلى‭ ‬شركة‭ ‬جابكو‭ ‬التى‭ ‬كان‭ ‬الدكتور‭ ‬حمدى‭ ‬البنبى‭ ‬وزير‭ ‬البترول‭ ‬الأسبق‭ ‬رحمه‭ ‬الله‭ ‬رئيسا‭ ‬لها‭ ‬آنذاك‭ ‬تقديرا‭ ‬لمكانتها‭ ‬وخبرتها‭ ‬الفنية،‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬محدودية‭ ‬المعلومات‭ ‬الفنية‭ ‬المتاحة،‭ ‬نجحت‭ ‬الشركة‭ ‬فى‭ ‬إعداد‭ ‬كوادرها‭ ‬لاستلام‭ ‬وتشغيل‭ ‬الحقل‭ ‬وفقًا‭ ‬لأعلى‭ ‬المعايير‭ ‬الفنية‭.‬

ويروى‭ ‬الدكتور‭ ‬البنبى‭ ‬فى‭ ‬مذكراته‭ ‬لحظة‭ ‬تسليم‭ ‬الحقل‭ ‬حين‭ ‬طلب‭ ‬من‭ ‬رئيس‭ ‬المجموعة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬إنزال‭ ‬العلم‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬ورفع‭ ‬العلم‭ ‬المصري،‭ ‬فعم‭ ‬الصمت‭ ‬المهيب‭ ‬المكان،‭ ‬وسيطر‭ ‬الحزن‭ ‬والغضب‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬ولوحظ‭ ‬وجود‭ ‬قوارب‭ ‬تحمل‭ ‬مدافع‭ ‬وأسلحة‭ ‬كانت‭ ‬مغطاة‭ ‬بستائر‭ ‬جلدية‭ ‬وصدرت‭ ‬تعليمات‭ ‬بكشفها‭ ‬كمحاولة‭ ‬لاستعراض‭ ‬القوة‭ ‬من‭ ‬الجانب‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬وتجلّت‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬عزة‭ ‬مصر‭ ‬وكبرياؤها،‭ ‬إذ‭ ‬قال‭ ‬الدكتور‭ ‬حمدى‭ ‬البنبى‭ ‬عبارته‭ ‬الخالدة‭:‬

“إن‭ ‬مصر‭ ‬ضحت‭ ‬بمئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الشهداء،‭ ‬وليس‭ ‬مستحيلاً‭ ‬أن‭ ‬يُضاف‭ ‬إليهم‭ ‬ثمانية‭ ‬أو‭ ‬عشرة‭ ‬شهداء‭.‬”‭ ‬فى‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬عزيمة‭ ‬الوفد‭ ‬المصرى‭ ‬فى‭ ‬استكمال‭ ‬مهمته‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬التحديات‭.‬

ومنذ‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم،‭ ‬،‭ ‬حرصت‭ ‬جابكو‭ ‬على‭ ‬إيقاف‭ ‬الاستنزاف‭ ‬العشوائي،‭ ‬وأنشأت‭ ‬ثلاث‭ ‬منصات‭ ‬جديدة‭ ‬ليصبح‭ ‬إجمالى‭ ‬المنصات‭ ‬المنتجة‭ ‬خمس‭ ‬منصات،‭ ‬وربطت‭ ‬الإنتاج‭ ‬بخط‭ ‬بحرى‭ ‬بطول‭ ‬32‭ ‬كيلومتراً‭ ‬إلى‭ ‬تسهيلات‭ ‬رأس‭ ‬العش‭ ‬البرية‭. ‬كما‭ ‬حفرت‭ ‬39‭ ‬بئر‭ ‬اضافي،‭  ‬ليرتفع‭ ‬إجمالى‭ ‬الآبار‭ ‬إلى‭ ‬54‭ ‬بئراً،‭ ‬وبلغ‭ ‬الإنتاج‭ ‬فى‭ ‬فبراير‭ ‬1982‭ ‬نحو‭ ‬42‭ ‬ألف‭ ‬برميل‭ ‬يومياً‭ .‬

واليوم،‭ ‬وبعد‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬عقود‭ ‬ونصف‭ ‬من‭ ‬استلام‭ ‬الحقل،‭ ‬تجاوز‭ ‬إجمالى‭ ‬إنتاجه‭ ‬التراكمى‭ ‬130‭ ‬مليون‭ ‬برميل‭ ‬من‭ ‬الزيت‭ ‬الخام‭ ‬حتى‭ ‬أكتوبر‭ ‬2025،‭ ‬ويواصل‭ ‬عطاؤه‭ ‬بمعدل‭ ‬إنتاج‭  ‬يقارب‭ ‬1600‭ ‬برميل‭ ‬يوميا‭ .‬

خمسون‭ ‬عاماً‭ ‬من‭ ‬العطاء‭.. ‬وراية‭ ‬البترول‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬خفاقة

من‭ ‬رأس‭ ‬سدر‭ ‬إلى‭ ‬أبورديس‭ ‬وشِعب‭ ‬علي،‭ ‬كانت‭ ‬ملحمة‭ ‬استرداد‭ ‬الحقول‭ ‬البترولية‭ ‬شاهدة‭ ‬على‭ ‬عزم‭ ‬أبناء‭ ‬مصر‭ ‬وإرادتهم‭ ‬الصلبة‭.‬

واليوم،‭ ‬وبعد‭ ‬مرور‭ ‬خمسين‭ ‬عامًا‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬الفارقة،‭ ‬يواصل‭ ‬قطاع‭ ‬البترول‭ ‬المصرى‭ ‬رحلته‭ ‬فى‭ ‬تعظيم‭ ‬الإنتاج‭ ‬وتنمية‭ ‬الحقول،‭ ‬مستنداً‭ ‬إلى‭ ‬العلم‭ ‬والتكنولوجيا‭ ‬الحديثة،‭ ‬ومؤكداً‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬بدأه‭ ‬جيل‭ ‬أكتوبر‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬يمتد‭ ‬أثره‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬انجاز‭ ‬بترولى‭ ‬جديد‭.‬

اهم الاخبار
جميع الحقوق محفوظة © 2025 مجلة البترول
Powered By : Idea World Web