تعد مشروعات استرجاع واستغلال غازات الشعلة من أهم المشروعات التى تتبناها استراتيجية عمل وزارة البترول والثروة المعدنية لما لها من مردود إيجابى سواء كان بيئياً من خلال خفض الانبعاثات الكربونية الناجمة عن حرق الغاز أو اقتصادياً من خلال توفير كميات من الغاز الطبيعى وإعادة استخدامها كوقود أو استخلاص منتجات بترولية عالية القيمة كالبوتاجاز.
ويأتى مشروع استرجاع غازات الشعلة بمصفاة القاهرة لتكرير البترول كأحد ثمار برنامج تحديث وتطوير قطاع البترول الذى بدأ تنفيذه عام ٢٠١٦ ، ويدعم الاستدامة البيئية ومواكبة ركب التوجه العالمى ورؤية مصر 2023 والمساهمة فى تحقيق التنمية المستدامة ... «مجلة البترول» قامت بجولة ميدانية لهذا المشروع لترصد طبيعة العمل والمكاسب التى تحققت اقتصادياً وبيئياً منذ بدء تشغيله .
فى صباح يوم الثلاثاء ١٦ ابريل ٢٠٢٤ ، توجهنا إلى مصفاة القاهرة لتكرير البترول إحدى القلاع البترولية العريقة بمنطقة مسطرد البترولية ، ومن المعتاد عندما تقترب من موقع عمل وإنتاج بترولى أن تجد شعلة دليلاً على أن الموقع يعمل ، ولكن أصبح الآن عدم وجود شعلة دليلاً على تحقيق الموقع توافق بيئى وتطور ، وبين ما كان وما هو صائر «حكاية» ، ولمعرفة أصل الحكاية وتفاصيل أكثر عن مشروع استرجاع غازات الشعلة بمصفاة القاهرة لتكرير البترول، التقينا بالمهندس وائل رزق رئيس الشركة بمكتبه ، والذى بدأ حديثه بأن البعض كان يتساءل عند بداية تشغيل المشروع عن سبب توقف غازات الشعلة بالشركة ، وهل هذا عطل أدى إلى توقف العمل بالشركة؟!، خاصة وأن المشهد كان معتاد يومياً لهم ، ويواصل حديثه بأن مصفاة القاهرة لتكرير البترول تعد أول مصفاة تكرير فى مصر تقوم بتنفيذ مشروع استرجاع غازات الشعلة ، حيث تم البدء فى تنفيذه فى يوليو ٢٠٢٠، وبدعم وتوجيهات من المهندس طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية وتم الانتهاء منه وافتتاحه فى سبتمبر ٢٠٢٢، وبلغت تكلفته الإجمالية حوالى ١٥٠ مليون جنيه ، لافتاً إلى أن الكوادر الفنية بالشركة قامت بإعداد المواصفات الفنية والبت الفنى والمالى وتنفيذ جميع الأعمال المدنية والتصنيع والتركيب والتشغيل للمشروع دون الاستعانة بأى شركات خارجية سوى شركة GARO الإيطالية التى قامت بتوريد الضواغط الخاصة بالوحدة ، مما ساهم فى تنفيذ المشروع بأقل تكلفة ممكنة ، اعتماداً على خبرات القاهرة لتكرير البترول فى التصنيع المحلى.
مردود ايجابى اقتصادى وبيئى
يواصل م. رزق حديثه ويقول ترجع أهمية هذا المشروع إلى عدة عوامل أساسية أولها، تقليل الحمل البيئى عن طريق إيقاف الحرق الروتينى للغازات بالشعلات وتقليل انبعاث غاز ثانى أكسيد الكربون بمعدلات تصل إلى ٨٥ ألف طن سنوياً وفقا للطاقة التصميمية للمشروع ونجحت الشركة فى الوقت الحالى بتقليل الحمل البيئى للمنطقة بما يعادل ٥ر٤٢ ألف طن سنوياً، وكذلك استرجاع غازات الشعلة وإعادة استخدامها كوقود للأفران فى وحدات التقطير والأزمرة مما ساهم فى ترشيد الطاقة ، ولك أن تتخيل أن كمية استهلاك الغاز الطبيعى بالشركة انخفضت بنسبة ٣٠٪ بعد تشغيل المشروع ، وهذه نسبة كبيرة تعادل حوالى ٨٧٢٠٠٠ مليون وحدة حرارية بريطانية من الغاز سنوياً ، مشيراً إلى أنه تم تحقيق وفراً خلال العام المالى الماضى بقيمة ٤ مليون دولار ، لافتاً إلى أنه فى حالة التشغيل بكامل الطاقة التصميمية للوحدة سيصل إجمالى الوفر حوالى ٧ر٧ مليون دولار سنوياً طبقاً للأسعار الحالية ، هذا بالإضافة إلى استرجاع كميات من البوتاجاز ليساهم فى توفيره للسوق المحلى .
كــوادر القاهـــرة لتكريـــــر البــــــترول .. قـــادرون علــى التحـــدى
اصطحبنا كل من أحمد منصور مهندس عمليات بوحدات التقطير وإسلام صابر مهندس بوحدات الاصلاح والأزمرة إلى وحدة استرجاع غازات الشعلة الجديد لنتعرف أكثر عن آليات التشغيل ، حيث يقول م. احمد أن هذه الوحدة تعد وحدة جديدة وفريدة من نوعها فى مصافى التكرير المصرية بمعنى أن المتعارف عليه فى مصافى التكرير هى وحدات التقطير والإصلاح والأزمرة ، وتعتبر آليات العمل متشابهة فى جميع مصافى التكرير ، وهذه الوحدة تبلغ طاقتها التصميمية 4 طن فى الساعة وتنقسم إلى جزئين ، الجزء الأول خاص باسترجاع غارات شعلة وحدات التقطير وإعادة تدويرها لوحدة استرجاع غازات بوحدة التقطير رقم ٣ وذلك لفصل المنتجات مثل البيوتان (البوتاجاز) الذى يتم تدفيعه بعد معالجته وفصل الكبريت منه إلى شركات توزيع وتعبئة البوتـاجاز وضخه فى السوق المحلى، يلتقط أطراف الحـديث م.إسلام ويقول أما الجزء الثانى ويخص استعادة غازات شعلتى وحدات الإصلاح والأزمرة ، حيث يتم توجيه الغازات (الميثان والإيثان) بعد معالجتها وإزالة الكبـريت إلى مجمع غازات وقود الأفران الخاصة بوحدات الإصلاح والأزمرة ، مما يوفر كميات من الغاز الطبيعى المستخدم كوقود تشغيل فى الأفران .
ويقول محمود حبيب أحد الفنيين المشغلين للوحدة أن نظام التشغيل بالوحدة يتم على مدار الـ ٢٤ ساعة مقسمة على ورديتى عمل ، ونعلم جيداً أن التعامل مع أنشطة الغاز يحتاج إلى اليقظة التامة والتركيز والدقة أثناء التشغيل ، وفى بداية الأمر كان هناك شىء من القلق ، خاصة وأن هذه الوحدة جديدة ولم يتم التعامل مع مثلها من قبل، ولكن تم تدريب جميع الفنيين بالوحدة الجديدة على كيفية إطفاء وتشغيل الوحدة بكفاءة وأمان كامل ، كما تم تدريبنا على كيفية التعامل مع المشاكل التى قد تحدث أثناء التشغيل .
مشروع مصفاة القاهرة لاسترجاع غازات الشعلة .. نموذج ناجح يحتذى به
وفى نهاية الجولة، أكد المهندس وائل رزق أن فريق العمل بالشركة يقوم حالياً بنقل خبـــراته وتقديم الدعم الفنى فى هذا المشروع للشركات الشقيقـة بالتنسيق مع وزارة البترول والثـروة المعـدنية والهيئة المصــرية العامة للبتـــرول ، لافتـــاً إلى أن الوحدة الجديدة بالشركة أصبحت مزاراً ومحط أنظار كثير من الشركــات التى يوجد بها حرق روتينى للغازات فى الشعلـــة وترغب فى تنفيذ مثل هذا المشروع بها، وأتوقع أن تشهد الفترة القادمة مزيداً من هذه المشروعات لما لها من جدوى اقتصادية وبيئية .