من الشعلة إلى المعركة ..أول وزارة للبترول أسسها السادات استعدادا لأكتوبر 73

العدد الأول نوفمبر 2025

“كانت‭ ‬

مهمتنا‭ ‬الأساسية‭ ‬وضع‭ ‬البترول‭ ‬المصرى‭ ‬فى‭ ‬خدمة‭ ‬قواتنا‭ ‬المسلحة،‭ ‬أو‭ ‬بمعنى‭ ‬آخر‭ ‬توفير‭ ‬الأرصدة‭ ‬اللازمة‭ ‬من‭ ‬الوقود‭ ‬التى‭ ‬تمكن‭ ‬كل‭ ‬طائرة‭ ‬ودبابة‭ ‬وآلة‭ ‬متحركة‭ ‬من‭ ‬القيام‭ ‬بدورها”،‭ ‬هكذا‭ ‬روى‭ ‬المهندس‭ ‬أحمد‭ ‬عزالدين،‭ ‬أول‭ ‬وزير‭ ‬بترول‭ ‬فى‭ ‬مصر،‭ ‬دور‭ ‬الوزارة‭ ‬منذ‭ ‬ولادتها‭. ‬

 

كانت‭ ‬هذه‭ ‬المهمة‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬رؤية‭ ‬الرئيس‭ ‬أنور‭ ‬السادات‭ ‬التى‭ ‬لم‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬الإعداد‭ ‬العسكرى‭ ‬لحرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬1973،‭ ‬بل‭ ‬شملت‭ ‬كل‭ ‬مفاصل‭ ‬الدولة،‭ ‬حيث‭ ‬أصدر‭ ‬قرارات‭ ‬تاريخية‭ ‬منها‭ ‬قرار‭ ‬27‭ ‬مارس‭ ‬بإنشاء‭ ‬أول‭ ‬وزارة‭ ‬بترول‭ ‬مستقلة‭ ‬بجانب‭ ‬17‭ ‬وزارة‭ ‬جديدة‭ ‬أخرى‭.‬

اختير‭ ‬للوزارة‭ ‬المهندس‭ ‬الكيميائى‭ ‬أحمد‭ ‬عزالدين‭ ‬هلال‭ ‬لما‭ ‬امتلكه‭ ‬من‭ ‬خبرات‭ ‬استراتيجية‭ ‬عالية،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬كبار‭ ‬التكنوقراطيين‭ ‬الذين‭ ‬تأهلوا‭ ‬فى‭ ‬الإدارة‭ ‬العليا،‭ ‬وواحدًا‭ ‬من‭ ‬المدنيين‭ ‬القلائل‭ ‬الذين‭ ‬درسوا‭ ‬فى‭ ‬أكاديمية‭ ‬ناصر‭ ‬العسكرية‭ ‬العليا‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬توليه‭ ‬الوزارة‭. ‬

ولنا‭ ‬أن‭ ‬تتخيل‭ ‬عزيزى‭ ‬القارئ‭ ‬حجم‭ ‬المسؤولية‭ ‬والاحتياج‭ ‬للمواد‭ ‬البترولية‭ ‬فى‭ ‬عقل‭ ‬الرئيس‭ ‬السادات‭ ‬عند‭ ‬اتخاذ‭ ‬هذا‭ ‬القرار‭ ‬التاريخي‭. ‬فوزارة‭ ‬البترول‭ ‬الجديدة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬مجرد‭ ‬هيئة‭ ‬حكومية،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬أداة‭ ‬استراتيجية‭ ‬للحرب‭ ‬والبناء‭ ‬المستدام‭ ‬فى‭ ‬ربوع‭ ‬مصر،‭ ‬حيث‭ ‬طالب‭ ‬الرئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬من‭ ‬36‭ ‬وزيرًا‭ ‬أن‭ ‬يسير‭ ‬أداء‭ ‬وزارتهم‭ ‬على‭ ‬خطين‭ ‬متوازيين‭: ‬الاستعداد‭ ‬للمعركة‭ ‬والبناء‭ ‬الوطنى‭.‬

لم‭ ‬يتوقف‭ ‬دور‭ ‬هلال‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ ‬الإدارة‭ ‬الداخلية،‭ ‬بل‭ ‬شمل‭ ‬المهمة‭ ‬الثانية‭ ‬التى‭ ‬كلفه‭ ‬بها‭ ‬الرئيس‭ ‬وهى‭ ‬إجراء‭ ‬جولات‭ ‬استطلاعية‭ ‬فى‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬للتعرف‭ ‬على‭ ‬وزراء‭ ‬البترول‭ ‬وإقامة‭ ‬علاقات‭ ‬تعاون‭ ‬مستقبلية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬أثمر‭ ‬فعليًا‭ ‬عند‭ ‬وقف‭ ‬البترول‭ ‬العربى‭ ‬عن‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭.‬

المهمة‭ ‬الأخطر‭!‬

أما‭ ‬المهمة‭ ‬الأخطر،‭ ‬فكانت‭ ‬إغلاق‭ ‬حقل‭ ‬مرجان‭ ‬فى‭ ‬ساعة‭ ‬الصفر،‭ ‬كما‭ ‬روى‭ ‬هلال‭ ‬فى‭ ‬حوار‭ ‬للأهرام‭ ‬فى‭ ‬الذكرى‭ ‬الثانية‭ ‬للحرب‭ ‬عام‭ ‬1975‭. ‬فالحقل‭ ‬كان‭ ‬أمام‭ ‬أعين‭ ‬الإسرائيليين‭ ‬على‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬لخليج‭ ‬السويس‭ ‬بمنطقة‭ ‬شقير،‭ ‬يحتوى‭ ‬على‭ ‬40‭ ‬بئرًا،‭ ‬وبداخله‭ ‬شعلة‭ ‬موقدة‭ ‬منذ‭ ‬بدء‭ ‬الإنتاج‭ ‬قبل‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭. ‬وكان‭ ‬إغلاقه‭ ‬مؤشرًا‭ ‬مباشرًا‭ ‬لإشعال‭ ‬الحرب‭. ‬وعندما‭ ‬سأل‭ ‬السادات‭ ‬هلال‭ ‬عن‭ ‬الوقت‭ ‬المتوقع‭ ‬لإغلاق‭ ‬الحقل،‭ ‬أجاب‭ ‬17‭ ‬ساعة،‭ ‬فرد‭ ‬السادات‭ ‬إنه‭ ‬سيبلغه‭ ‬قبل‭ ‬المعركة‭ ‬بـ‭ ‬48‭ ‬ساعة‭ ‬لتنفيذ‭ ‬الإغلاق‭ ‬فى‭ ‬ساعة‭ ‬الصفر،‭ ‬حفاظًا‭ ‬على‭ ‬أرواح‭ ‬470‭ ‬عاملًا‭ ‬بينهم‭ ‬70‭ ‬أمريكيًا‭.‬

اختصاصات‭ ‬وزارة‭ ‬الحرب

فور‭ ‬تكليفه،‭ ‬وضع‭ ‬هلال‭ ‬اختصاصات‭ ‬واضحة‭ ‬للوزارة‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬البناء‭ ‬والاستعداد‭ ‬للمعركة،‭ ‬شملت‭ ‬دعم‭ ‬وتنمية‭ ‬المصادر‭ ‬البترولية‭ ‬والتعدينية‭ ‬واستغلالها‭ ‬لتحقيق‭ ‬أهداف‭ ‬التنمية‭ ‬وزيادة‭ ‬الدخل‭ ‬القومي،‭ ‬ورسم‭ ‬السياسة‭ ‬العامة‭ ‬ومتابعة‭ ‬تنفيذها،‭ ‬وتطوير‭ ‬التشريعات‭ ‬وتبسيط‭ ‬الإجراءات،‭ ‬بالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬إدارة‭ ‬التعاون‭ ‬الدولى‭ ‬والمشاركة‭ ‬فى‭ ‬المؤتمرات‭ ‬والندوات‭ ‬والمعارض‭ ‬العالمية،‭ ‬مع‭ ‬متابعة‭ ‬المؤسسة‭ ‬المصرية‭ ‬العامة‭ ‬للبترول‭ ‬والهيئة‭ ‬العامة‭ ‬للمساحة‭ ‬والجيولوجية،‭ ‬بهدف‭ ‬رفع‭ ‬احتياطى‭ ‬الخام‭ ‬والغازات‭ ‬الطبيعية‭ ‬إلى‭ ‬650‭ ‬مليون‭ ‬طن‭ ‬خلال‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬وزيادة‭ ‬قيمة‭ ‬إنتاج‭ ‬المصانع‭ ‬البترولية‭ ‬والبتروكيماوية‭ ‬إلى‭ ‬272‭ ‬مليون‭ ‬جنيه‭.‬

من‭ ‬النكسة‭ ‬إلى‭ ‬الانتصار

قبل‭ ‬الحرب،‭ ‬كانت‭ ‬منظومة‭ ‬البترول‭ ‬المصرية‭ ‬قد‭ ‬أصابها‭ ‬ما‭ ‬أصاب‭ ‬مصر‭ ‬بعد‭ ‬نكسة‭ ‬1967،‭ ‬حيث‭ ‬شهدت‭ ‬حرب‭ ‬الاستنزاف‭ ‬عمليات‭ ‬عسكرية‭ ‬متبادلة‭ ‬على‭ ‬طول‭ ‬قناة‭ ‬السويس،‭ ‬وتعرضت‭ ‬منشآت‭ ‬البترول‭ ‬فى‭ ‬السويس،‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬معملا‭ ‬النصر‭ ‬والسويس،‭ ‬للقصف‭ ‬المتكرر،‭ ‬وفقدت‭ ‬مصر‭ ‬أغلب‭ ‬حقولها‭ ‬الرئيسية‭ ‬فى‭ ‬سيناء‭ ‬مثل‭ ‬رأس‭ ‬سدر‭ ‬وبلاعيم‭ ‬وأبورديس،‭ ‬مما‭ ‬تسبب‭ ‬فى‭ ‬انخفاض‭ ‬الإنتاج‭ ‬بشكل‭ ‬كبير،‭ ‬وكان‭ ‬الحل‭ ‬فى‭ ‬وجود‭ ‬وزارة‭ ‬مستقلة‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬النهوض‭ ‬من‭ ‬كبوة‭ ‬الانكسار‭ ‬إلى‭ ‬الانتصار‭ ‬فى‭ ‬1973‭.‬

مكالمة‭ ‬السادات‭ ‬وساعة‭ ‬الصفر

ومع‭ ‬اقتراب‭ ‬أيام‭ ‬المعركة،‭ ‬اتصل‭ ‬السادات‭ ‬بهلال‭ ‬يوم‭ ‬2‭ ‬أكتوبر‭ ‬لإعداد‭ ‬خطة‭ ‬حقول‭ ‬مرجان،‭ ‬وذهب‭ ‬الوزير‭ ‬لمعاينة‭ ‬الحقل‭ ‬والتأكد‭ ‬من‭ ‬آلية‭ ‬العمل،‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬الهدف‭ ‬الحقيقى‭ ‬الاستعداد‭ ‬لساعة‭ ‬الصفر‭. ‬وفى‭ ‬5‭ ‬أكتوبر،‭ ‬أبلغ‭ ‬الوزير‭ ‬بموعد‭ ‬تنفيذ‭ ‬خطة‭ ‬الإغلاق‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬المهندس‭ ‬عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬عبد‭ ‬الله،‭ ‬وزير‭ ‬الدولة‭ ‬لشئون‭ ‬رئاسة‭ ‬الجمهورية،‭ ‬ليتم‭ ‬إغلاق‭ ‬الحقل‭ ‬فى‭ ‬الساعة‭ ‬1‭.‬59‭ ‬ظهرًا‭ ‬يوم‭ ‬6‭ ‬أكتوبر،‭ ‬مطفئًا‭ ‬الشعلة‭ ‬ومتزامنًا‭ ‬مع‭ ‬انطلاق‭ ‬الطائرات‭ ‬والمدفعية‭ ‬ومشاة‭ ‬الجيش‭ ‬لاستعادة‭ ‬سيناء،‭ ‬لتعود‭ ‬بعدها‭ ‬حقولها‭ ‬بالكامل‭ ‬لمصر‭.‬

قلادة‭ ‬الجمهورية

وتقديرًا‭ ‬لدور‭ ‬قطاع‭ ‬البترول‭ ‬فى‭ ‬الإعداد‭ ‬للحرب،‭ ‬منح‭ ‬الرئيس‭ ‬السادات‭ ‬وزارة‭ ‬البترول‭ ‬قلادة‭ ‬الجمهورية‭ ‬خلال‭ ‬الاحتفالات‭ ‬بالذكرى‭ ‬الثانية‭ ‬من‭ ‬انتصارات‭ ‬أكتوبر‭ ‬عام‭ ‬1975،‭ ‬وقال‭ ‬الوزير‭ ‬الراحل‭ ‬أحمد‭ ‬هلال‭ ‬إن‭ ‬هذا‭ ‬التقدير‭ ‬كان‭ ‬بمثابة‭ ‬وسام‭ ‬شرف‭ ‬لكل‭ ‬العاملين‭ ‬فى‭ ‬القطاع،‭ ‬شاهداً‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬البترول‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مجرد‭ ‬وقود‭ ‬للحرب‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬نبض‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬المصرية‭ ‬فى‭ ‬ساعة‭ ‬الصفر‭.‬

اهم الاخبار
جميع الحقوق محفوظة © 2025 مجلة البترول
Powered By : Idea World Web