“كانت
مهمتنا الأساسية وضع البترول المصرى فى خدمة قواتنا المسلحة، أو بمعنى آخر توفير الأرصدة اللازمة من الوقود التى تمكن كل طائرة ودبابة وآلة متحركة من القيام بدورها”، هكذا روى المهندس أحمد عزالدين، أول وزير بترول فى مصر، دور الوزارة منذ ولادتها.
كانت هذه المهمة جزءًا من رؤية الرئيس أنور السادات التى لم تقتصر على الإعداد العسكرى لحرب أكتوبر 1973، بل شملت كل مفاصل الدولة، حيث أصدر قرارات تاريخية منها قرار 27 مارس بإنشاء أول وزارة بترول مستقلة بجانب 17 وزارة جديدة أخرى.
اختير للوزارة المهندس الكيميائى أحمد عزالدين هلال لما امتلكه من خبرات استراتيجية عالية، فقد كان أحد كبار التكنوقراطيين الذين تأهلوا فى الإدارة العليا، وواحدًا من المدنيين القلائل الذين درسوا فى أكاديمية ناصر العسكرية العليا قبل سنوات من توليه الوزارة.
ولنا أن تتخيل عزيزى القارئ حجم المسؤولية والاحتياج للمواد البترولية فى عقل الرئيس السادات عند اتخاذ هذا القرار التاريخي. فوزارة البترول الجديدة لم تكن مجرد هيئة حكومية، بل كانت أداة استراتيجية للحرب والبناء المستدام فى ربوع مصر، حيث طالب الرئيس الوزراء من 36 وزيرًا أن يسير أداء وزارتهم على خطين متوازيين: الاستعداد للمعركة والبناء الوطنى.
لم يتوقف دور هلال عند حدود الإدارة الداخلية، بل شمل المهمة الثانية التى كلفه بها الرئيس وهى إجراء جولات استطلاعية فى الدول العربية للتعرف على وزراء البترول وإقامة علاقات تعاون مستقبلية، وهو ما أثمر فعليًا عند وقف البترول العربى عن الدول الغربية.
المهمة الأخطر!
أما المهمة الأخطر، فكانت إغلاق حقل مرجان فى ساعة الصفر، كما روى هلال فى حوار للأهرام فى الذكرى الثانية للحرب عام 1975. فالحقل كان أمام أعين الإسرائيليين على الضفة الغربية لخليج السويس بمنطقة شقير، يحتوى على 40 بئرًا، وبداخله شعلة موقدة منذ بدء الإنتاج قبل عشر سنوات. وكان إغلاقه مؤشرًا مباشرًا لإشعال الحرب. وعندما سأل السادات هلال عن الوقت المتوقع لإغلاق الحقل، أجاب 17 ساعة، فرد السادات إنه سيبلغه قبل المعركة بـ 48 ساعة لتنفيذ الإغلاق فى ساعة الصفر، حفاظًا على أرواح 470 عاملًا بينهم 70 أمريكيًا.
اختصاصات وزارة الحرب
فور تكليفه، وضع هلال اختصاصات واضحة للوزارة تجمع بين البناء والاستعداد للمعركة، شملت دعم وتنمية المصادر البترولية والتعدينية واستغلالها لتحقيق أهداف التنمية وزيادة الدخل القومي، ورسم السياسة العامة ومتابعة تنفيذها، وتطوير التشريعات وتبسيط الإجراءات، بالإضافة إلى إدارة التعاون الدولى والمشاركة فى المؤتمرات والندوات والمعارض العالمية، مع متابعة المؤسسة المصرية العامة للبترول والهيئة العامة للمساحة والجيولوجية، بهدف رفع احتياطى الخام والغازات الطبيعية إلى 650 مليون طن خلال عشر سنوات وزيادة قيمة إنتاج المصانع البترولية والبتروكيماوية إلى 272 مليون جنيه.
من النكسة إلى الانتصار
قبل الحرب، كانت منظومة البترول المصرية قد أصابها ما أصاب مصر بعد نكسة 1967، حيث شهدت حرب الاستنزاف عمليات عسكرية متبادلة على طول قناة السويس، وتعرضت منشآت البترول فى السويس، وعلى رأسها معملا النصر والسويس، للقصف المتكرر، وفقدت مصر أغلب حقولها الرئيسية فى سيناء مثل رأس سدر وبلاعيم وأبورديس، مما تسبب فى انخفاض الإنتاج بشكل كبير، وكان الحل فى وجود وزارة مستقلة قادرة على النهوض من كبوة الانكسار إلى الانتصار فى 1973.
مكالمة السادات وساعة الصفر
ومع اقتراب أيام المعركة، اتصل السادات بهلال يوم 2 أكتوبر لإعداد خطة حقول مرجان، وذهب الوزير لمعاينة الحقل والتأكد من آلية العمل، بينما كان الهدف الحقيقى الاستعداد لساعة الصفر. وفى 5 أكتوبر، أبلغ الوزير بموعد تنفيذ خطة الإغلاق من خلال المهندس عبد الفتاح عبد الله، وزير الدولة لشئون رئاسة الجمهورية، ليتم إغلاق الحقل فى الساعة 1.59 ظهرًا يوم 6 أكتوبر، مطفئًا الشعلة ومتزامنًا مع انطلاق الطائرات والمدفعية ومشاة الجيش لاستعادة سيناء، لتعود بعدها حقولها بالكامل لمصر.
قلادة الجمهورية
وتقديرًا لدور قطاع البترول فى الإعداد للحرب، منح الرئيس السادات وزارة البترول قلادة الجمهورية خلال الاحتفالات بالذكرى الثانية من انتصارات أكتوبر عام 1975، وقال الوزير الراحل أحمد هلال إن هذا التقدير كان بمثابة وسام شرف لكل العاملين فى القطاع، شاهداً على أن البترول لم يكن مجرد وقود للحرب بل كان نبض الاستراتيجية المصرية فى ساعة الصفر.